بعد فجر الخامس من يونيو عام 2017، تزاحم المواطنون والمقيمون في دولة قطر على المتاجر، فأوشكت الإمدادات أن تنتهي، بعد أن أغلق جيرانها المنافذ البرية والبحرية والجوية إليها. حينها أسرع المغرب إلى إرسال طائرات محملة بالمساعدات للدولة الخليجية الصغيرة، الأمر الذي شكل نقطة من بحر خلافات بين المملكة المغربية من جهة والإمارات والسعودية من جهة أخرى. لكن تطورات أخيرة بالمشهد تشير إلى تلاشي هذه التوترات.
ففي وقت سابق من نوفمبر الماضي، أصبحت الإمارات أول بلد عربي يفتتح بعثة دبلوماسية في العيون كبرى مدن الصحراء الغربية، الخاضعة لسيطرة الرباط، في دعم المغرب بعد إعلان جبهة البوليساريو استئناف صراعها المسلح.
وبعد مرور ما يقرب من شهر على هذه الخطوة، اتفقت إسرائيل والمغرب على تطبيع العلاقات في اتفاق تم بمساعدة الولايات المتحدة، لتنضم المملكة بذلك للإمارات والبحرين والسودان في بدء إبرام اتفاقات مع إسرائيل.
وفي إطار هذا الاتفاق وافق الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الاعتراف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية، في تغيير لسياسة أميركية متبعة منذ عقود.
العدالة والتنمية “في خطر”
وبعد اتفاق التطبيع، تتعرض حكومة المغرب لانتقادات من مواليها في الخارج. ويقود الحكومة حزب العدالة والتنمية، الذي ينظر البعض إليه باعتباره الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في المغرب، لكن قادته ينفون علاقتهم بها.
ويقود الحزب الحكومة منذ عام 2011، عندما تخلى الملك محمد عن بعض السلطات، لتفادي آثار احتجاجات “الربيع العربي”، مما أدى إلى تباين الموقف بين المغرب والإمارات التي تزعمت الحرب ضد الإسلاميين في المنطقة.
ويعتقد طارق أتلاتي رئيس المركز المغربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، في حديث لموقع “الحرة”، أن التنظيم العالمي للإخوان في أزمة فعلية حاليا، وليس فقط الحزب، بسبب اتفاق التطبيع مع إسرائيل.
وفي نفس السياق، قال رشيد لزرق، أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل المغربية، إن حزب العدالة والتنمية يمر بأزمة خطيرة لكنه قادر على احتوائها، بسبب الخلاف بين الجناحين البراغماتي والمزايد داخل الحزب بشأن التطبيع.
ويرى لزرق أن الحزب سيحصل في نهاية المطاف على “موافقة دينية من الجماعة-التي لطالما استخدمت الدين- على التطبيع”، وبالتالي ضمان الكتلة الانتخابية التي تصوت من أجل الدين في الانتخابات المقررة العام المقبل.
“سحابة صيف”
ورغم ذلك يعتقد حسن الصبيحي، الأكاديمي والمحلل السياسي الإماراتي أن تشهد المرحلة المقبلة بين الإمارات والمغرب تعزيزا للعلاقات، بعدما وصلت الأزمة بينهما إلى تخفيض المستوى الدبلوماسي وسحب السفيرين من أبوظبي والرباط.
وكانت العلاقات الإماراتية-المغربية شهدت توترا على خلفية موقف الرباط من المقاطعة التي فرضتها الرباعي العربي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) على قطر، والخلاف بشأن الصراع في ليبيا، وتدخل أبوظبي لمحاولة إعادة سياح إسرائيليين علقوا في المغرب، بعد توقف حركة الطيران بسبب جائحة كورونا، دون استشارة الرباط، في مارس الماضي.
لكن الصبيحي قال إن “العلاقات بين الجانبين عادت وتعززت أكثر مما كانت، واتضح للجميع أهميتها القصوى”.
وأضاف لموقع “الحرة” أن “المواقف النبيلة تظهر في الوقت المناسب والأزمات، والمغرب مر بتحدي تمثل في الاعتراف بسيادته على إقليم الصحراء الغربية، الأمر الذي دعمته الإمارات في الحال”.
ووصف الصبيحي الأزمة التي شهدتها البلدين بـ”سحابة صيف”، قائلا: “تبقى العلاقات التي أسسها الشيخ زايد والملك الحسن الثاني”، الأمر الذي اتفق معه لزرق بقوله: “علاقات المغرب مع دول الخليج ثابتة، باعتبارها علاقة بين الأسر الحاكمة، خصوصا مع الإمارات”.
“تفهم سعودي”
وفي بداية العام الماضي، بثت قناة “العربية” السعودية تقريرا يشكك في مغربية الصحراء الغربية، مما خالف موقف الرياض المؤيد للمغرب في هذه القضية، فاستدعت الرباط سفيرها في الرياض من أجل التشاور.
وبعد هذا التقرير انسحب المغرب من التحالف العربي الذي قادته السعودية ضد الحوثيين في اليمن، قائلا إنه “التزاما بمبادرة الحل السياسي الدولية”.
ووصف رئيس مجلس العلاقات العربية الدولية (كارنتر) طارق آل شيخان الشمري الخلاف مع السعودية بـ”سوء التفاهم” مرجعا إياه إلى “انسحاب المغرب من التحالف، وموقفه المحايد من الأزمة الخليجية ومقتل الصحفي جمال خاشقجي”.
لكنه أضاف لموقع “الحرة” أنه “يجب النظر لموقف المغرب في إطار حرصه على علاقاته مع الغرب والنأي بنفسه عما يحدث”.
وأكد أن الرباط تربطها علاقات وثيقة بأوروبا وتتحفظ على بعض القضايا بسبب ذلك. قائلا: “أعتقد أن السعودية تفهمت ذلك”.
“أول المطبعين”
وفيما يتعلق بجهود الإمارات لإلحاق المغرب بقطار التطبيع، قال الصبيحي إن أبوظبي “تركت للعرب حرية الاختيار، ولم تلح أو تضغط على أي دولة”، لكنه أضاف “الإمارات لديها الآن ثقل عربي ودولي كبير، وهذا يسهل عليها دائما استقطاب دول عربية”.
ويتفق صبيحي مع ما قاله محللون وسياسيون بأن الاتفاق بين إسرائيل والمغرب هو مجرد خطوة لإعادة فتح مكتب التمثيل بين البلدين بعد إغلاقه عام 2002.
وقال صبيحي إن علاقة المغرب بإسرائيل سابقة لترتيبات التطبيع الأخيرة، “بل المغرب أصلا كان أول من طبع من العرب مع إسرائيل”، على حد قوله.
وأرجع تأخير المغرب في الانضمام لدول عربية وافقت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلى “المصالح”، قائلا: “ما يحكم العلاقة بين الدول هي المصالح التي تضمنت الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء المغربية”.
وتابع “الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية سيقوي التطبيع بين المغرب وإسرائيل. المصالح عامة تؤدي إلى تعزيز العلاقات وإلى الالتزام بالاتفاقيات، وهذا ما حدث في الاتفاق مع المغرب”.
وفي هذا الإطار، يقول لزرق إن علاقة المغرب مع إسرائيل تفوق دعم الإمارات والسعودية لملفات مغربية مقابل التطبيع، مرجعا ذلك إلى “اليهود المغاربة، وهم أبناء الجالية المغربية داخل إسرائيل باعتبار أن العاهل المغربي هو أمير المؤمنين، وارتباط إمارة المؤمنين بالديانتين الإسلامية واليهودية على حد سواء”.
وأوضح أن المغرب يعتبر جاليته اليهودية الكبيرة داخل إسرائيل تحت الرعاية الملكية، مشيرا إلى أن “الجنسية المغربية لا تسقط” وهو ما يبقي نحو مليون يهودي من أصل مغربي ويعيشون في إسرائيل محتفظين بجنسيتهم المغربية، ولذلك نشأت علاقة خاصة بين المغرب وإسرائيل.
أين قطر؟
وتثير عودة المغرب للحلف السعودي الإماراتي، تساؤلات بشأن موقف قطر، رغم تسريب أنباء بشأن مصالحة خليجية قريبة، إلا أن الصبيحي لا يعتقد أن المغرب كان بعيدا عن تحالف الرياض وأبوظبي حتى يعود إليه، قائلا: “المملكة وقفت مع قطر بسبب المصالح والعلاقات الكبيرة بينهما”.
وأضاف “كانت السعودية والإمارات تعلمان تماما أن المغرب سيكتشف أن قطر ليست هي التي تحدد مستقبل المنطقة، وثبت ذلك بالدليل عندما احتاجت الرباط لدعم وتأييد حل مشكلة الصحراء كانت الرياض وأبوظبي جاهزتين”.
فيما قال لزرق “الخليج عموما كان دائما إلى جانب المغرب الذي قابل هذه المعاملة بالمثل، أما الأزمة الخليجية فكانت لها تداعيات على المغرب الذي فضل أن يقف على مسافة واحدة من الطرفين”.
ويرى لزرق أن موقف المغرب من الأزمة الخليجية لم يتغير، رغم التقارب الأخير الملحوظ بينه وبين الإمارات والسعودية، قائلا: “الرباط واضحة في ضرورة حل الخلافات لمواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة حاليا، لاسيما إيران”، مرجحا أن يلعب المغرب دورا وسيطا في هذه الأزمة.
ويقول الشمري إن “المغرب لم يضع قطر في الحسبان لدى عودته للتحالف السعودي الإماراتي، فهو لديه علاقات تاريخية بالدولتين”.
وأضاف “هذا التحالف الثلاثي ليس موجها لقطر لكنه لا يريحها”، فيما لا يرى المحلل السياسي القطري عبد الله الوذين تغيرا لعلاقات المغرب بقطر أو غيرها من الدول الخليجية.
واستبعد أن يكون لاتفاق التطبيع أي تأثير على تقارب الرباط مع الرياض وأبوظبي، قائلا: “الدولة الكبرى في هذا التحالف الرباعي وهي السعودية لم تطبع علاقاتها مع إسرائيل”.
وكانت تقارير إخبارية إسرائيلية ذكرت “أن الرياض كان لها دور في الدفع نحو اتفاق بين إسرائيل والمغرب”، وأن محمد بن سلمان ولي العهد السعودي كان طرفا أساسيا في المفاوضات مع العاهل المغربي محمد السادس بشأن استئناف العلاقات مع إسرائيل.